الشباب مرحلة زمنية من العمر يكون الكائن الحي فيها بأوج ما يمكن أن يكون عليه طوال مسيرة حياته، فهي محطة تبلغ بها اللآمال ذروتها، على اعتبار أنها آخر مراحل تطور قدرات الإنسان الجسمية والنفسية والعقلية، لتبدأ بعدها مراحل التقهقر الموصلة إلى الشيخوخة أو الفناء، قال تعالى"... ثم لتبلغوا أشدكم و منكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرّذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا" الآية.
الجميع يعرف خصائص هذه المرحلة و مميزاتها، لكن القليل فقط من يحرص على استغلالها وعدم إهدارها، إن على مستوى الفرد أو المجتمعات، ذلك أنه كما يمكن أن تكون هذه المرحلة مرادفا لكل عمل خير متقن، يمكن أن تكون طاقة لأنواع من الأعمال المشئومة المنحرفة وهو حال شبابنا اليوم، أو لسنا نذكر شبابنا إذا ذكرنا المخدرات كما نذكره إذا ذكرنا العنوسة وإذا ذكرنا الإجرام نذكر الشباب أيضا، من ذلك فقد أصبح الشباب معول هدم لا معول بناء، ارتبط اسمه بالآفات و المشاكل و مظاهر الانحراف، فحلت أخبار الانتحار محل تفوقه و اختراعاته، وحلت محل تكوينه و تربيته أخبار إجرامه و إدمانه و شذوذه وانبهاره بالآخر، فدون قناعته على الجدران (كرطونة في roma ولا villa في الحومة) وهذا ليس بدعا من القول أو الفعل، فالطبيعة لا تقبل الفراغ والكأس إن لم يمتلأ بالماء امتلأ بالهواء.
إن شباب الرعيل الأول من صحب النبي صلى الله عليه وسلم خلقوا رجالا منذ الصبا، لم يعرفوا طيش الشباب ونزواته، ما بقي في صدورهم من بعض درن الجاهلية لم يلبث أن اختفى مع وصفات القلوب، التي كان يصفها النبي صلى الله عليه وسلم، الخبير بالطبيعة الإنسانية، فلم يكن يملا صدورهم بالخير على رواسب سنين الجاهلية، بل كان يفرغ قبل أن يملأ، فهذا علي بن أبي طالب يبادره النبي صلي الله عليه وسلم للإسلام فيقول: أمهلني بعض الوقت... في حكمة من خبر الدنيا وعرفها، مع أن عمره لا يتجاوز العشر سنوات، وذاك عبد الله بن عمر رضي الله عنه يأبى إلا أن يلتحق بغزوة بدر والرسول القائد يرجعه.
يقول أحد رجالات الغرب (إن شباب اليوم يفضلون العيش في الحاضر وينشغلون بالمستقبل ولا يعرفون شيئا عن الماضي) ربما استطاع هذا الغربي وباقتدار تلخيص حياة شباب العصر لكن إذا حاولنا تفكيك مقولته والوقوف على معانيها نجد أن شبابنا يفضلون العيش في الحاضر ليس كل الحاضر وإنما ذلك الذي يساير ذهان السهولة المرسخ عندهم ولا يعتريه علقم الصبر ولا غاية أخرى له غير اللذة، كما نجدهم ينشغلون بالمستقبل لكن ليس بإعداد العدة ورسم الأهداف والتمكن من الوسائل وإنما بالاغتنام المسمى اهتماما، ولا يعرفون شيئا عن الماضي عن تاريخ الأمير عبد القادر والإمام ابن باديس والقائد عميروش..
الأكيد أن العصر غير العصر، الفتن كثيرة والمغريات منمقة والملهيات مغرية والضغوط والغزو الثقافي مركز، لكن الأسرة والمجتمع ومؤسسات الدولة كلها راعية ومسؤولة عن رعيتها، والجيل السوي هو مشروع طموح لم يعرف بعد طريقه إلى عقولنا، فما الشاب إلا صبي ينشأ في أسرة بين أبوين فعلى ما يربيانه ومن يجعلاه قدوته أم أن فاقد الشيء لا يعطيه، هل سيثبت إعلامنا فيه القيم ويتوجه أصحاب الهمم؟ أم يتهكم على المعتقدات ويسفه الاهتمامات يحجم العمالقة ويضخم القزم، وعندما يخرج هذا الشاب إلى المجتمع ماهي القيم التي يتلقفها منه منطوقا ومفهوما؟ وكيف تلقاه مؤسسات الدولة هل تكفل بتشغيله أم تعمل على إشغاله وإذلاله!؟
وعليه فالشباب المعاصر هو ضحية لكل هاته العوامل مجتمعة وعوامل أخرى يطول ذكرها، فالحراق ضحية والسارق ضحية والبطال ضحية والمنتحر ضحية والجاني تعددت أياديه وسنبقى نعبث بفلذات الأكباد ما لم نقتنع بأن كل الترقيعات هي استجداء للعطار بأن يصلح ما أفسد الدهر، وأن كل الاستثمارات الأخرى هي محض عبث إذا ما خاب الاستثمار في الإنسان.
زكرياء إسحاق