كل عام وأنت صامدة وحرة يا غزة

كل عام وأنت صامدة وحرة يا غزة
أ. د. سليمان صالح

صحيفة الشرق القطرية

صدقوني إن أهل غزة يحققون انتصاراً تاريخياً على كل الطغاة والبغاة والخائفين. وأنا أدرك جيداً أبعاد المأساة الإنسانية التي يعيشونها، لكن من بين خيوط تلك المأساة يمكن أن نرى بوضوح أضواء النصر والنهضة والحرية وتحرير فلسطين.
الحرية غالية ومن يريدها لابد أن يدفع الثمن... فما بالكم بحرية فلسطين؟. والصمود في وجه الطغيان شرف لا يناله إلا الذين عشقوا الحرية... ذلك ببساطة هو السر الذي جعل أهل غزة يتحملون مأساتهم بصبر وعزة وأنفة وشموخ وإباء... وسيجعلهم يصمدون حتى تحرير فلسطين.
تجربة صمود أهل غزة تشكل للأمة كلها ثروة لا مادية سوف تستخدمها قريباً في تشكيل نهضتها القائمة على الاكتفاء الذاتي، ومقاومتها لكل أشكال الظلم والنهب والاستغلال الاستعماري.
قريباً جداً أيها السادة سنواجه مأساة مثل أهل غزة وسيجوع أطفالنا ولن يجد المرضى العلاج وعندها سنحتاج إلى أهل غزة لكي يعلموننا فن الصمود، والقدرة على التعايش مع الألم.
الفقر قادم
من لا يصدق ذلك عليه أن يتابع نشرات أخبار التليفزيون لكي يعرف بعض الحقائق عن الإعصار المالي الذي يجتاح العالم والذي صنعته الرأسمالية.
ولا تصدقوا حكام العرب الذين يدعون أن تلك الأزمة لن تؤثر عليهم، وأن اقتصادهم متين، وأموالهم في أمان.
فمن المؤكد أن العرب لن يحصلوا من أموالهم المكدسة في بنوك الغرب على أي شيء، وأنهم قد خسروا على الأقل تريليون دولار كانت تكفي لبناء نهضة اقتصادية عربية.
والعالم كله سيتعرض لكساد اقتصادي ينتج عنه تزايد الفقر والبطالة وتوقف النمو، وهذا كله سينعكس على وطننا العربي الذي سيشهد خلال السنوات القادمة تزايد الفقر والحرمان والمجاعات وأمراض سوء التغذية وتدني مستوى الخدمات العامة.
ولذلك سيحتاج كل العرب إلى أن يتعلموا من أهل غزة فنون الصبر والصمود والمقاومة والتكافل الاجتماعي والتضحيات، ذلك أن الخروج من تلك الأزمة مرهون بقدرة الشعوب على أن تعيد صياغة حياتها بعيداً عن النموذج الغربي للحياة الذي يقوم على الترف.
وعما قريب سيصبح أهل غزة هم الأساتذة الذين يعلمون شعوب العالم الفقيرة كيفية الصمود وفنون المقاومة.
انتصار ثقافي
وبذلك تكون غزة قد حققت انتصاراً ثقافياً إنسانياً يتمثل في بناء نموذج جديد للحياة يقوم على تقدير قيمة الإنسان بما يقدمه من تضحيات، وبما يتجلى في شخصيته من مميزات حضارية وثقافية، وبما يقدمه من تضحيات نابعة من الإيمان بالله.
وهذا نموذج يختلف عن النموذج الرأسمالي الغربي الذي يقوم على تقييم الإنسان بما يملك من مال، ويعتبر أن الغنى المادي هو معيار التفاضل بين الناس، وهذا النموذج أدى إلى زيادة الجشع والفساد والأنانية والنرجسية والانفصال عن المجتمع، وعدم الاهتمام بالقضايا الكبرى مثل الحرية والإيمان. وهذا النموذج هو أهم العوامل التي أدت إلى الإعصار المالي بكل ما سيعقبه من انهيارات اقتصادية على مستوى العالم.
هذا النموذج الغربي للحياة يؤدي إلى الجنون والانتحار عندما يفشل الإنسان في تحقيق أهدافه المادية، أو يفقد ما أنفق حياته في تجميعه من مال.
لذلك كانت البشرية على موعد مع نموذج جديد للحياة صاغه أهل غزة تحت الحصار حيث تتجلى قيمة الإنسان في إيمانه وتضحياته وبطولاته ووظيفته الحضارية وكفاحه من أجل تحرير الوطن ودفاعه عن قيم الحق والعدالة، وقتاله من أجل الحرية. إن الإنسان أكبر وأسمى من كل متع الدنيا الزائلة... يجوع ولكنه يظل أبياً شامخاً، لا يملك مالاً ولكنه يظل غنياً بإيمانه. له قيمة في وطنه لأنه ضحى من أجل تحريره، وله قيمة في مجتمعه لأنه صاحب مشاركة حقيقية في تشكيل تاريخه، وصياغة مستقبله.
في هذه الحالة لا ينكسر الإنسان إذا ابتلى بالغنى. ويظل أبياً صامداً مهما تعرض لمحن وخطوب.
البشرية كلها تحتاج إلى هذا النموذج وهي تواجه أزمة اقتصادية ستغير الكثير من الأحوال، وسيتحول الكثير من الأغنياء في عالمنا إلى فقراء بعد أن فقدوا أرصدتهم في البنوك الأجنبية. ومعظم هذه الأرصدة تم نهبها من ثروات الوطن نتيجة للفساد الذي انتشر في وطننا.
حرب ضد الفساد لذلك فإن النموذج الذي تقدمه غزة للحياة يشكل حرباً على الفساد، فالذي لا يقيم نفسه بما يملك من مال وسلطة لا يمكن أن يكون فاسداً لأنه ببساطة أعز وأكرم من أن يمد يداً إلى مال حرام، أو يستخدم سلطاته في إلحاق الظلم بالعباد.

إن هذا يفسر لنا كيف التف أهل غزة حول حكامها الشرفاء الذين يجوعون مع شعبهم، ويعانون من أجل قضيتهم، ويضحون من أجل تحرير فلسطين، ولا يتنازلون عن مبادئهم وثوابتهم وأهدافهم العليا، وعن مشروع المقاومة.
إنه النموذج الإسلامي للحكم الذي تريده كل الأمة الإسلامية التي بلغ تعدادها مليار ونصف المليار، ويوم أن تنجح الأمة في بناء نموذج الحكم الإسلامي فإنها سوف تبني النهضة القائمة على العدل والصلاح والتقوى، وسوف تستخدم ثرواتها لبناء نظام اقتصادي عالمي جديد لا ظلم فيه ولا ربا ولا فساد.
أرأيتم أيها السادة ماذا حققت غزة، ولماذا تحالف ضدها كل الطواغيت وأرادوا أن يجوعوا شعبها، ولماذا منعوا الشعوب العربية من إرسال المعونات لغزة.
إنه الخوف من النموذج الحضاري والإنساني الذي ظهر بوضوح في غزة، والذي يشكل ضربة للرأسمالية المتوحشة الظالمة، وللطغيان والفساد والاستكبار العالمي.
لقد جوعتم غزة
حسناً.. لقد جوعتم غزة، لكن كل شعوب الأرض سوف تتعرض قريباً للجوع والفقر والبطالة والكساد والانهيار الاقتصادي بسبب ظلم الرأسمالية وجشعها وقسوتها، وبسبب النموذج الأمريكي للحياة القائم على الاستهلاك والترف.
أما غزة فإنها تعودت على الجوع، وتعود أهلها على أن يتقاسموا الخبز والألم والحلم، وتعلمت غزة في مأساتها كيف تعبد الله وتؤمن به وتنتظر نصرة الآتي بلا ريب.
لكن ماذا ستفعل الشعوب التي عرفت رغد العيش زمنا ثم تحول هذا الرغد إلى شظف، وعرفت الفقر بعد الغنى، وتبخرت الأرصدة المالية التي كان الأثرياء يتفاخرون بها، وانهارت البورصات التي كانت تشكل عصب الاقتصاد العالمي.
لا شك أن هناك أسلوبين فقط للتعامل مع الكارثة الاقتصادية القادمة. الأول هو الاستمرار في تطبيق النموذج الغربي للحياة وهذا يعني الموت والدمار وخراب الديار، والثاني هو تطبيق نموذج الحياة الإسلامي الذي يقوم على الإيمان وتكريم الله للإنسان، والعمل من أجل أهداف عليا أهمها العدل، وعبادة الله وإعمار الأرض.
وهذا النموذج يعني الحياة والخير وصلاح الدنيا والآخرة... ومن يرد أن يتعلم هذا النموذج فعليه أن يذهب إلى غزة ليتعلم من أطفالها فنون المقاومة والصبر والإيمان وعشق الحرية... وليتعلم أيضاً الرجولة والقدرة على التضحية... وليتعلم من حكومة حماس العدل والتمسك بالأهداف العليا والقتال من أحل الحرية والكفاح لتحرير الوطن.
كل عام وأنت تعلمين البشرية كلها يا غزة الإيمان والصمود والعزة والشرف والأسس العلمية لبناء النهضة.
كل عام وأنتم بخير وحرية يا أهل غزة... كل عام وأنتم صامدون تحلمون بتحرير فلسطين ونهضة الأمة ووحدتها.

كل عام وأنت صامدة وحرة يا غزة From-palestine-info...gaza

فعلا انتصرت غزة

يسلموو ع الموضوع

ويعطيك العافية